من اكبر الاكراهات والمعضلات التربوية التي يعاني منها التعليم بالمغرب عموما وبالمناطق النائية والقروية خصوصا مشكلة الهدر المدرسي وملف المفصولين والمنقطعين من الجنسين الذي يتزايد كل سنة.
يظل الهدر المدرسي إحدى الخصائص الهيكلية التي تطبع النظام التعليمي المغربي، وهذه الظاهرة تعد من أكبر المعيقات التي تعرقل تطور العملية التعليمية بجميع مراحلها، والتي تسببت في نزيف كبير للموارد البشرية، وهي ظاهرة مركبة تشمل مجموعة من العوامل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية. وقد لاحظت العديد من الدراسات أن ظاهرة الهدر المدرسي تنتشر أكثر بالوسط القروي، تليه الأحياء الشعبية، أي الأحياء الهامشية والفقيرة بالوسط الحضري، مما يعمق من نتائجه الخطيرة، مثل انتشار الأمية والبطالة والجريمة في المجتمع وهدر الموارد المالية للدولة، كما يؤدي حتما إلى الانحراف والتهميش والإقصاء واستغلال الأطفال في سوق العمل قبل سن الخامسة عشرة. وقد كشفت الأرقام الرسمية أن ظاهرة الهدر المدرسي في تصاعد متزايد، في السنوات الأخيرة ، لذلك فمن المرتقب أن يكون هذا الملف حاضرا في مشروع الإصلاح القريب الذي تباشره وزارة التربية الوطنية.
تبين الإحصائيات الرسمية الصادرة عن وزارة التربية الوطنية، والتي أجريت خلال سنة 2008 أن أكثر من 300.000 ألف تلميذ وتلميذة من الفئة العمرية )6-15سنة ( ينقطعون سنويا عن الدراسة )(، هذا الأمر الذي يتسبب في تأخر التعليم من جهة وفي الرفع من نسبة الأمية من جهة ثانية ، والتي تصل نسبتها إلى حوالي ،%34 بينهم أكثر من مليون طفل يتراوح عمرهم 9 و 14 خارج المدرسة لا يعرفون القراءة والكتابة حسب الإحصائيات الرسمية )2(. كل هذا يجعل بلادنا تحتل مراتب متدنية في مؤشرات التنمية البشرية بالرغم من المجهودات المبذولة. فالهدر المدرسي يشكل آفة تؤثر سلبا في تنمية مجتمعنا، حيث أظهرت دراسة من طرف المجلس الأعلى للتعليم سنة 2008 أن التلاميذ الذين ينقطعون عن الدراسة بعد أربع سنوات يؤولون إلى الأمية، مما يشكل استنزافا للموارد البشرية والمادية للبلاد، إذ يمكن تقدير تكلفة عدم التمدرس والانقطاع عن الدراسة بنسبة %2من الناتج الداخلي الخام، وهذه الظاهرة كما أسلفنا تنتشر بالعالم القروي، مما يستنزف التقدم الذي تحقق في تقليص الفوارق في نسب التمدرس بين الوسطين الحضري والقروي، وبين الجنسين فمعدل تمدرس الفتيات بين 12 و14 سنة من العمر لم يتجاوز 43% في الموسم الدراسي 2007-2006 مقابل 75% كمعدل وطني بالنسبة لهذه الفئة العمرية. وتضاف فئات التلاميذ المنقطعين عن الدراسة، إلى صفوف المستهدفين ببرامج محاربة الأمية وبرامج التربية غير النظامية، التي تبقى المسلك الوحيد لإعادة الإدماج في المنظومة ، علما أن الطاقة الاستيعابية لاستقبال المستفيدين من هذه البرامج لا تكفي آلاف المنقطعين عن الدراسة.